تفجرت الأحداث الميدانية في المناطق المحاذية لنهر الفرات في ريف دير الزور شرقي سوريا “جزيرة”، بتاريخ 27 آب/ أغسطس 2023 الفائت، ومنذ ذلك الحين تتواصل المواجهات اليومية والتوتر الحاصل بين مقاتلين من العشائر العربية وقوات “قسد”، ضمن تطورات متسارعة استغلها سريعاً النظام والميليشيات الإيرانية المنتشرة في القسم الآخر من محافظة دير الزور “شامية”.
ويعد السبب المباشر لنشوب المواجهات المسلحة بين الطرفين، قيام “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) باعتقال وعزل قائد “مجلس ديرالزور العسكري”، التابع لها، واحتجاز عدد من القادة الآخرين وعوائلهم فيما بات يعرف لاحقاً “كمين استراحة الوزير”، التي اتبعتها “قسد” على الفور بعملية “تعزيز الأمن والاستقرار”، دفعت العشائر إلى التمرد والانتفاضة ضدها، وصولاً إلى المشهد المعقد الحالي، وسط تعدد وتزايد أطراف الصراع.
الهفل بدمشق.. خذلان للعشائر وخدمة لرواية “قسد”
شكل ظهور “إبراهيم الهفل”، شيخ قبيلة العگيدات والقائد العام لقوات العشائر العربية، في العاصمة السورية دمشق مؤخراً، ضربة إعلامية قد تُحسب لصالح قوات “قسد”، التي تنص روايتها الرسمية منذ بداية عمليتها الأمنية في دير الزور إنها تواجه خلايا مدعومة من ميليشيات النظام السوري وإيران.
وفي حديثه لشبكة شام الإخبارية، قال الناشط الإعلامي “إبراهيم الحسين”، المتخصص بتغطية أخبار محافظة دير الزور، إن ظهور الهفل بدمشق، خصوصاً في مضافة فرحان المرسومي، المعروف بقربه من النظام السوري، سقطة كبيرة وخذلان كبير لمقاتلي العشائر في المرتبة الأولى، وعن تأثير هذا الظهور لفت إلى أنه يعزز رواية “قسد”، ضد العشائر العربية.
ويعد “المرسومي” أحد الشخصيات المقربة من الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي، وعراب المصالحات في مدينة البوكمال وريفها شرق دير الزور، كما أنه له دور كبير في عودة الشبان إلى مناطق سيطرة قوات النظام عبر المصالحات والتجنيد في صفوف ميليشيا الفوج 47 الإيراني.
وقال الناشط الإعلامي “عمر البوكمالي”، إن إيران وعن طريق شخص يسمى هاشم السطام، وهو مسؤول التنسيب للمليشيات التابعة لإيران شرق سوريا، نجحت تماماً في سحب إبراهيم الهفل إليها.
وأشار نظيره “فراس علاوي”، أنه “لا يمكن للهفل بناء تحالفات جديدة، لاسيما في دمشق، سواء مع النظام أو الإيرانيين لعدة أسباب، أولها أن القاعدة العشائرية التي يستند إليها من أبناء منطقته هي من المعارضين للنظام، وأغلبهم مطلوبون أمنياً.
بالإضافة إلى كونهم مناوئين للوجود الإيراني في البلاد وأعرب عن اعتقاده أن ظهور الهفل بدمشق يأتي ضمن طلب الحماية والابتعاد عن المشهد، أكثر من كونه بحثاً عن تحالفات، ولفت إلى أنه لا يمكن ربط حراك العشائر بالشيخ الهفل بشكل كامل.
اتهامات تطاول قسد بمساعي تشويه صورة قائد انتفاضة العشائر في دير الزور
عملت “قسد” على مهاجمة شيخ قبيلة العگيدات المتمرد وسبق أن وصفته بـ”رأس الفتنة”، فيما شككت معرفات إعلامية مقربة من الهفل بالصور الواردة حول ظهوره الأخير وقالت إن الصورة قديمة وهي بالبوكمال وليست بدمشق، وذكرت أن الشيخ بين مقاتلي العشائر بالجزيرة، وعندما حاصرت “قسد”، ذيبان عبر إلى شويط ومن هناك أعاد تنظيم صفوفه وحصل على دعم من أبناء عمومته وعاد للجزيرة ومازال هناك، وضمن التبريرات قالت إن “شيوخ العشائر يلتقون على اختلاف توجهاتهم بصفة عشائرية”.
واتهمت المعرفات بأن “قسد” تحاول تشويه صورة شيخ قبيلة العگيدات، سيما وأن الهفل قاد حراكاً عشائرياً من أبناء قبيلته والقبائل الأخرى في دير الزور وشرق الفرات ضد قسد، بدءاً من آواخر أب/أغسطس، من معقله في بلدة ذيبان، واستطاعت العشائر السيطرة على الريف الشرقي للمحافظة بشكل شبه كامل، قبل أن تستعيد قسد السيطرة عليها إضافة إلى معقل الهفل.
ولايزال الحراك العشائري ضد قسد مستمراً لكنه بات أقرب إلى حرب عصابات، يتمثل بضرب حواجز ومواقع في ريف ديرالزور الشرقي، ثم الانسحاب بعد إيقاع خسائر بشرية في صفوف قسد، إضافة لعمليات اغتيال وخطف.
ولم يغِب الهفل عن الظهور في مقاطع مصورة وصور بلباسه الميداني إلى جانب مقاتلين من العشائر منذ هزيمته في ذيبان، وكذلك يبثّ مناصروه بين الحين والآخر تسجيلات صوتية يعلن فيها تارة تشكيلات جديدة لمحاربة قسد، وتارة أخرى يؤكد استمرار الحراك حتى استرجاع حقوق العشائر العربية المسلوبة، وشدد مرارا على عدم تبعية الحراك العشائري لأي جهة.
ليالي ملتهبة على ضفاف الفرات.. لا حلول قريبة في الأفق
ميدانياً تركزت في الأونة الأخيرة هجمات مقاتلي العشائر على عدة مناطق في ريف محافظة دير الشرقي مثل البصيرة التي تتعرض لهجمات باستمرار وكذلك مناطق أبو حمام والشعفة، وغيرها إضافة إلى أجزاء من الريف الغربي لمحافظة ديرالزور.
ولفتت مصادر في حديثها لشبكة شام الإخبارية إلى أنه حسب المعطيات على الأرض فإن الحراك العشائري المسلح سيستمر لزمن طويل وأن مثل هذا التكتيك الذي يستخدمه مقاتلو العشائر في طريقة الضربات المباغتة سيسبب في استنزاف “قسد”.
إضافة إلى زيادة ضغط من قسد على أهل المنطقة من ناحية المداهمات والاعتقالات، وأساليب أخرى تستخدمها قسد لمحاولة النيل من أهل المنطقة، ورغم انخفاض زخم الحراك العشائري تتواصل الهجمات بشكل يومي ضد مواقع ومقرات “قسد”.
ونوهت مصادر إلى أن الأهالي ضد أطراف الصراع قسد والنظام والميليشيات الإيرانية، وأكدت أن “قسد”، لا تزال تتجاهل الحل سياسيا وتسببت بدفع المنطقة الشرقية إلى الهاوية، وفي سياق ممارساتها المستمرة ضد السكان، تواصل ابتزاز المطلوبين لها حيث تقوم باعتقال أقاربهم لإجبارهم على ترك السلاح والخضوع للمصالحة معها، وفق سياسة كررت الاعتماد عليها حديثاً.
رغم مزاعم تحقيق “الأمن والاستقرار”.. “قسد” تعجز عن إخماد حراك العشائر
منذ انطلاقة الحراك العشائري في آب/ أغسطس 2023 حاولت “قسد”، تقويض هذا الحراك بجميع الوسائل ومنها استخدام القوة المفرطة ضد أبناء المنطقة مع العلم أنه كان بين يديها الحل في احتواء أهل المنطقة وتلبية مطالبهم واعطائهم حقوقهم، لكن قسد كررت نفس تعامل النظام السوري تجاه الثورة السورية في آذار/ مارس 2011.
وعاملت “قسد”، أصحاب الأرض بأسلوب المواجهة والقوة العسكرية وهذا ما دفع بعض القوى الأخرى للعب على الوتر العشائري وخاصة مليشيات النظام والحرس الثوري والتي استغلت الحراك العشائري وركبت موجته عبر استخدام أشخاص كثيرين.
وفي واقع الحال استطاعت إيران بشكل أو بأخر اختراق الحراك العشائري وإدخال أشخاص فيه يعملون لصالحها، وأما بالنسبة لسياسية “قسد” الأخيرة والتي تتضمن الإفراج عن المعتقلين بينهم أشقاء ومقربين من أحمد الخبيل القائد العسكري السابق لمجلس دير الزور، توقع مراقبون فشلها أيضا.
وذكرت مصادر أنه كان من المفروض على “قسد”، عدم اعتقال أي شخص أو استخدام هذا الأسلوب، وكون العشائر في المنطقة لا يربطون ثورتهم باعتقال “الخبيل” على الرغم من اعتقاله كان الشرارة الأولى التي أشعلت هذا الحراك، لا سيّما وأن القيادي كان ذراع قسد الضارب ضد العشائر العربية في المنطقة، جميع جرائمه كانت تحظى بتغطية تامة منها.
السكان الخاسر الأكبر.. “قسد” تعمق سياساتها الفاشلة بالانتقام
يعد السكان المدنيين الخاسر الأكبر في النزاع الحاصل في مناطق دير الزور، وأما عن انعكاس ذلك على الأوضاع المعيشية على السكان يؤكد نشطاء في المنطقة أنه بالأساس الأوضاع المعيشية في دير الزور كانت معدومة وذلك بسبب سياسات قسد تجاه أبناء دير الزور من تهميش وإهمال لمطالب الأهالي في تحسين الأوضاع الاقتصادية وتحسين القطاع التعليمي والصحي.
والذي زاد الأمر سوء أكثر من السابق هو السياسة التي اتبعتها قسد تجاه أهالي دير الزور كونهم ربطوا المدنيين من المنطقة بالحراك العشائري وبدأوا باستفزاز الأهالي بالكثير من الأمور منها احتلال المدارس ومحطات مياه الشرب وعدم اعطائهم مستحقاتهم من مواد التدفئة وغيرها.
إضافة إلى الاعتقالات التعسفية والمعاملة السيئة على الحواجز وإغلاق جميع المعابر النهرية التي كانت تخدم بعض أهالي المنطقة بالذهاب إلى مناطق سيطرة قوات النظام كل تلك الإجراءات ساهمت بسوء الأوضاع وربما ستدفع المنطقة إلى الانتفاض وزيادة الهجمات على “قسد”، ما يؤكد أن المنطقة داخل دوامة من الصراع ضحيتها السكان المدنيين.
معادلة صعبة الحل.. السكان ضحية قلة وسوء الخيارات
قلة البدائل التي تحفظ الكرامة والأمن والمعيشة حرمت سكان شرقي ديرالزور من رفاهية الاختيار فبين استبداد وجرائم “قسد” وفشل إدارتها التي تقوم على إقصاء السكان وتحديدا المكون العربي وحرمانهم من خيرات بلادهم، وبين مخاطر تمدد إيران المخيف وما يرافقه من تبعات يعلمها السكان جيداً تقلصت الخيارات التي يطمح لها الأهالي وانحصرت بين خيارين أحلاهما مُرّ، يتخوف السكان من تمدد إيران ومعه “التشييع، المخدرات، القبضة الأمنية، التجنيد، وغيره”.
وقال مصدر عشائري من أبناء المنطقة طلب عدم الكشف عن هويته، إن ظهور الهفل بدمشق هو دليل على مدى اختراق إيران والنظام للحراك العشائري الذي كان في بدايته غير مرتبط بأي أجندة خارجية، وهذا ما دفع غالبية شباب المنطقة لترك القتال بجانب مقاتلي العشائر بسبب خوفهم من الارتباط والتعامل مع إيران والنظام السوري.
وأكد المصدر المطلع على سير الحراك العشائري منذ بدايته أن زيارة الهفل رغم أنها ليست الأولى لمناطق سيطرة النظام حتى قبل الحراك العشائري ضد “قسد”، إلا أن توقيته يشكل انعكاسات سلبية على الحراك العشائري الذي كان حراكاً محقاً في انطلاقته وأصبح مسيساً لصالح النظام وإيران.
هذا وخلصت آراء مصادر محلية وفق استطلاع خاص أشرف عليه فريق التحرير في شبكة شام الإخبارية، بأنّ أهالي المنطقة أمام خيارين الآن أما القبول بقوات “قسد” كسلطة أمر واقع أفضل من النظام وإيران وهذا رأي أغلبية أهل المنطقة أن العيش تحت حكم “قسد”، أفضل من العودة إلى العيش تحت سيطرة النظام وميليشياته.
وتشير بيانات الاستطلاع إلى أنّ الخيار الثاني يضع الأهالي أمام استمرار دعم مقاتلي العشائر وهذا قد يفتح المجال بشكل أو بآخر إلى عودة النظام للمنطقة وتسليمها على طبق من ذهب لإيران والنظام السوري وهذا الخيار مرفوض من الأهالي على الرغم من أن الجميع يعلم أن “قسد” والنظام بينهما مصالح ومواقع مشتركة ومفاوضات دائمة، لكن ثقة الأهالي بأنّ “التحالف الدولي” لن يسمح بإعطاء المنطقة للنظام السوري.
ليمكنكم الاطلاع على التقرير الاصلي عبر الضغط هنا
katho crispo