
سوريا
تمر سوريا بمرحلة مفصلية تتسم بالغموض والتخبط، فيما يترقب الجميع مآلات المشهد السياسي ومستقبل البلاد. وتزداد هذه الضبابية في مناطق شمال وشرق سوريا ( دير الزور. الحسكة. الرقة)، نتيجة غياب اتفاق واضح بين ميلـ ـيشيا “قسد” وقوات إدارة العمليات العسـ ـكرية حول مصير المنطقة. هل ستبقى تحت سيطرة “قسد”، أم ستنتقل إلى إدارة العمليات العسـ ـكرية؟ وإذا كانت الأخيرة متمسكة بالسيطرة، فما مدى جديتها وما هو جدولها الزمني؟ وما هو دور القوى الدولية في هذه المعادلة، وما حدود قدرتها على الضغط على حلفائها المحليين للوصول إلى توافق سياسي.؟
ورغم صعوبة التنبؤ بمآلات هذه الأسئلة حتى الآن، فإن ما يثير القلق هو حالة التهافت العشوائي وغير المدروس التي يشهدها الشارع في شمال وشرقسوريا، بشأن التمثيل في مؤتمر الحوار الوطني، خاصة بعد صدور قرار تشكيل اللجنة المكلفة باختيار المشاركين. فقد باتت حوارات الترشيح تدور علناً، سواء عبر اللقاءات المباشرة أو ضمن مجموعات الواتساب، لتسمية شخصيات مرشحة لحضور المؤتمر المزمع عقده قريباً.
إن النقاش وتداول الأسماء أمر صحي ومطلوب في أي استحقاق وطني، لكن الإشكالية الكبرى تكمن في غياب الوعي بمسؤولية الدور المنتظر من المشاركين. فقد تجاهل الكثيرون أن المؤتمر الوطني ليس مجرد فرصة للحضور أو الظهور الإعلامي، بل هو محطة حاسمة تهدف إلى رسم ملامح نظام الحكم والدستور في سوريا المستقبل. إن المشاركة تتطلب حضور كفاءات أكاديمية ومهنية قادرة على تقديم رؤى وتحليلات تستند إلى فهم عميق للواقع والمعطيات، بعيداً عن الحسابات الشخصية أو العشائرية.
ومما يبعث على الأسف، أن البعض يتعامل مع المؤتمر وكأنه مناسبة اجتماعية أو منصة لتحقيق مجد شخصي، مستندين إلى إرث عائلي أو صور قديمة لأجدادهم على أنهم شخصيات سياسية، وكأن ذلك يمنحهم شرعية التمثيل تلقائياً. أما آخرون، فيتوهمون أن منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو صورهم بجوار علم الثورة أو التفاخر بتجارب الاعتقال العابرة يمكن أن تفتح لهم أبواب المشاركة في الشأن العام.
إن مسؤولية اختيار ممثلي الرقة في مؤتمر الحوار الوطني تقع على عاتق جميع أبنائها، سواء في الداخل أو في دول الشتات. ويجب أن تكون هذه العملية مبنية على الكفاءة والخبرة، وبعيدة عن المحاصصات العشائرية أو العلاقات الشخصية. فقد دفعت الرقة ثمناً باهظاً عبر عقود من التهميش، سواء تحت حكم النظام السابق أو بسبب سوء إدارة من أبنائها الذين افتقروا إلى الكفاءة والإخلاص.
إن اللحظة الراهنة تتطلب من أبناء الرقة التعلم من أخطاء الماضي، والعمل بروح المسؤولية الوطنية، واختيار ممثلين قادرين على إيصال صوت المحافظات الثلاث بوعي وإدراك، للمساهمة في رسم مستقبل سوريا بما يليق بتضحيات أهلها.