
تعد الكليجة، تلك المعجنات المحشوة ذات الأشكال المتنوعة والنكهات الغنية، من الحلويات الشعبية التي تتجاوز بانتشارها حدود منطقة الشرق الأوسط لتصل إلى العديد من الثقافات. ولكن في مدينة دير الزور السورية، تأخذ الكليجة طابعاً خاصاً ونكهة فريدة، لتصبح “الكليجة الديرية” عنواناً لأصالة المذاق ورمزاً للضيافة والتراث العريق للمدينة الواقعة على ضفاف نهر الفرات.
ليست الكليجة الديرية مجرد حلوى تقدم في المناسبات، بل هي جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي للمنطقة. تحضر الكليجة الديرية عادةً من عجينة هشة مصنوعة من الطحين، السمن أو الزيت، الحليب، والسكر، وتزين غالباً بالسمسم أو حبة البركة. أما السر في تميزها فيكمن في حشوتها التي قد تختلف، ولكن أشهرها وأكثرها ارتباطاً بالهوية الديرية هو التمر المطحون الممزوج بالقرفة والهيل، وهما توابل تضفي على الكليجة رائحة زكية ونكهة دافئة مميزة.
تُعرف الكليجة الديرية بأشكالها المتعددة التي تضفي عليها جمالاً خاصاً، حيث تستخدم قوالب خشبية أو معدنية ذات نقوش وزخارف بديعة لختم العجين قبل خبزه. هذه النقوش لا تمنح الكليجة شكلاً جذاباً فحسب، بل تحمل في طياتها حكايات وتاريخاً، إذ تعكس جانباً من فنون النقش التراثية التي كانت سائدة في المنطقة. تتفنن النساء في دير الزور بتحضير الكليجة، وتعتبر هذه العملية تقليداً عائلياً تتوارثه الأجيال، حيث تجتمع الأمهات والجدات مع بناتهن وحفيدتهن لتبادل الخبرات والوصفات السرية التي تضيف لمسة خاصة لكل عائلة.
تحتل الكليجة الديرية مكانة بارزة على موائد الأعياد والمناسبات الاجتماعية والدينية، فهي حاضرة بقوة في عيد الفطر وعيد الأضحى، وتعتبر طبقاً رئيسياً يقدم للضيوف مع الشاي أو القهوة العربية. كما أنها لا غنى عنها في المناسبات الخاصة مثل الأفراح والولائم، حيث ترمز إلى الكرم والترحيب. يُعتبر تقديم الكليجة الديرية للضيوف بمثابة دعوة للاستمتاع بلحظات من الدفء والألفة، وتجسيداً لكرم أهل دير الزور المعروف عنهم.
ورغم التحديات التي مرت بها مدينة دير الزور، وما طالها من آثار على مختلف الأصعدة، إلا أن الكليجة الديرية بقيت صامدة كرمز للهوية والتراث. يحرص الأهالي على الحفاظ على هذا الإرث الغذائي، ليس فقط كمجرد حلوى، بل كجزء من تاريخهم وذاكرتهم الجماعية. إن تحضير الكليجة وتناولها يعيد إلى الأذهان ذكريات الماضي الجميل، ويقوي الروابط الأسرية والاجتماعية.
في الختام، إن الكليجة الديرية ليست مجرد وصفة طعام، بل هي قصة تحكى عن مدينة دير الزور وأهلها. إنها مزيج من المذاق الأصيل، الفن اليدوي، وتقاليد الضيافة العريقة. إنها حلوى تحمل في كل قطعة منها عبق الفرات ودفء البيوت الديرية، لتظل شاهداً حياً على ثقافة غنية وتراث لا يندثر.
إعداد: ابراهيم الحسين
تحرير: عبادة الشيخ