
سوريا، _ الرقة
تشهد مدينة الرقة ومحيطها تصعيدًا ميدانيًا متسارعًا تمثل في اشتباكات وهجمات مسلحة نفذها أبناء المدينة ضد مواقع ميليشيا “قسد”، وسط حالة توتر غير مسبوقة وتراجع ملحوظ في الغطاء الدولي الداعم لها. تأتي هذه التطورات في ظل تراجع نفوذ “قسد” الشعبي، واتساع الفجوة بينها وبين المكوّنات الاجتماعية في شرقي سوريا، خصوصًا بعد تواتر الاتهامات بشأن الفساد والقمع والاستئثار بالسلطة، ما دفع العديد من الوجهاء والعائلات إلى رفع الغطاء التقليدي عن تعاونهم السابق مع الميليشيا.
تصعيد ميداني وهجمات مسلحة
أكدت مصادر ميدانية اندلاع اشتباكات عنيفة في حي باب بغداد ومحيط السور الأثري داخل المدينة، بالتزامن مع استنفار واسع لـ”قسد” استخدمت خلاله القنابل المضيئة وأطلقت النار بشكل متقطع حتى ساعات الفجر. وفي تصعيد لافت، تعرضت نقطتان عسكريتان لميليشيا “قسد” غرب الرقة لهجمات مسلحة؛ الأولى قرب نهر الفرات في بلدة الجرنية، حيث تم إحراق النقطة والاستيلاء على السلاح الموجود فيها، والثانية قرب بلدة المنصورة، وسط تحذيرات للمدنيين بالابتعاد عن مقرات وآليات الميليشيا تحسبًا لجولة جديدة من المواجهات.
حراك عشائري غير مسبوق وسحب الغطاء الاجتماعي
تزامن التصعيد العسكري مع تحرك عشائري غير مسبوق تمثل بإصدار بيانات من عدة عشائر محلية أعلنت فيها سحب الغطاء الاجتماعي عن أبنائها المنخرطين ضمن صفوف “قسد”، مطالبة بوقف التعاون معها ورحيلها عن المنطقة.
بيان عشيرة السخاني
أعلن الشيخ فواز البيك، أحد وجهاء عشيرة السخاني، في بيان رسمي بتاريخ 12 يوليو 2025، “وقف أي تعاون مع قسد ورفض الصمت عن ممارساتها”، داعيًا إلى انسحابها الفوري من الرقة. وجاء في البيان أن الظروف باتت تتطلب من الشعب القيام ضد هذه “العصابة” ومقارعتهم، وأن هذا “فرض عين على كل شخص لتحرير الأرض والبشر التي في السجون”. كما ناشد الشيخ فواز البيك جميع من يعمل مع “قسد” من عساكر وموظفين بترك هذه المواقع، وحمل “قسد” مسؤولية سلامته وسلامة أهله وأقاربه، مؤكداً أن موقفه هذا تعبير صادق عن رأي الشارع وتوجهاته، وأنهم يريدون سوريا واحدة موحدة وليست أجزاء مقسمة.
بيان قبيلة البوسرايا الزبيدية
كما أصدرت قبيلة البوسرايا الزبيدية بيانًا مماثلًا طالبت فيه أبنائها بقطع العلاقة مع “قسد”، والانسحاب من مشروع “لا يمثل العشائر ولا يخدم أهل المنطقة”. وجاء في بيان القبيلة: “نداء صادق إلى من تبقى من أبنائنا في صفوف ميليشيا قسد: آن أوان الرجوع. فإما أن تختاروا شرف الانتماء لأهلكم وقبيلتكم، أو تتحملوا وزر الاصطفاف مع من خانوا الأرض وانسلخوا عن القيم.” وأكدت القبيلة رفع الغطاء العشائري والاجتماعي بشكل كامل عن كل من يصر على البقاء في صفوف “قسد”، وأن كل من يختار البقاء معهم خارجًا عن الصف لا يمثل القبيلة وسيتحمل تبعات خياره، مؤكدة أنها مع الحق والكرامة ولن تقبل من يخدم أجندات غريبة أو يطعن ظهر قومه.
تعكس هذه التطورات حالة الغليان الشعبي في الرقة ومحيطها، وتؤكد تزايد الرفض لممارسات “قسد”، مما ينذر بجولة جديدة من المواجهات قد تغير موازين القوى في المنطقة، خاصة مع تراجع الدعم الدولي الذي كانت تتمتع به الميليشيا.

