فصل جديد من فصول التهجير يتعرض له قسم من الشعب السوري وداخل الأراضي السورية ذاتها، وهذه المرة بتوقيع قسد التي تسيطر على مناطق واسعة من محافظات الحسكة والرقة وديرالزور وحلب، والمُهجرون هم ”عرب الغَمر”.
من هم عرب ”الغَمر” وما هي حكايتهم
بداية نتحدث عن هذه الفئة التي تقوم قسد بتهجيرها حالياً من أملاكهم وأراضيهم الواقعة في مناطق شمال الحسكة،
وهذه الفئة ليست حديثة عهد بالتهجير فقد قام نظام المجرم حافظ الأسد بترحيلهم في سبعينيات القرن الماضي من القرى المحيطة بسد الفرات غرب محافظة الرقة لإنشاء البحيرة التي غمرت عدداً كبيراً من القرى ومن هنا جاءت تسميتهم بعرب ”الغَمر”.
وقام النظام حينئذ بإسكانهم في الأراضي شمال محافظة الحسكة كنوع من التعويض عن أمالكهم التي غمرتها مياه بحيرة الفرات عقب إنشاء السد.
وينتشر غالبية قرى “المغمورين” ضمن أراضٍ تُعرف بـ “خط الاستقرار رقم 10″ في إشارة إلى الاستقرار المطري في شمال المحافظة ضمن المناطق القريبة من الحدود مع تركيا، ويعرف شعبياً باسم “خط العشرة” ويمر في مدن وبلدات “المالكية – رميلان – الجوادية – القحطانية – عامودا – الدرباسية” ويتركز وجود المغمورين بشكل أساسي في محيط مدن “الجوادية – القحطانية – الدرباسية” وبتعداد أقل في بقية المناطق.
موقف قسد وأحزابها من عرب الغَمر
اعتبرت قسد منذ بداية تأسيسها وجود عرب الغَمر في مناطق شمال الحسكة تغييراً ديموغرافياً للطبيعة السكانية في المنطقة، وأطلقت ميليشيا وحدات حماية الشعب التي تعتبر امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا حملات إعلامية واسعة لمهاجمتهم على مدار السنوات السابقة.
وتوجّت قسد جهودها الإعلامية الرامية لشيطنة الوجود العربي -ذو الأغلبية من أصحاب الأرض- في شمال الحسكة بالبدء بحملة تهجير واسعة لعرب الغَمر من أملاكهم وأراضيهم التي منحتهم إيّاها حكومة النظام المجرم في السبعينيات بحجة عدم امتلاكهم لبطاقة ”وافد” التي تُعطى لكل من يقيم في مناطق سيطرتها من خارج محافظة الحسكة.
وقامت قسد في الأيام الماضية بترحيل عشرات العائلات العربية المنحدرة من عشيرة ”البو حمد” مستغلة ترحيل حكومة إقليم كردستان العراق لعدد من العوائل السورية إلى مناطق سيطرتها، بدورها قامت قسد بتسليمهم لعصابات الأسد، حيث ادّعت الإدارة الذاتية -الذراع المدني لقسد- أن العائلات المُرحلة التي نقلتها عبر معبر التايهة قرب مدينة منبج إلى مناطق سيطرة عصابات الأسد هي فقط التي قدمت من إقليم كردستان العراق والتي تنحدر من تلك المناطق، في حين أكدت مصادر محلية أن عشرات العائلات من عرب ”الغَمر” تم ترحيلهم ولا يزال مصيرهم مجهول إلى الآن.
”الكيل بمكيالين” عنوان تعامل قسد مع أبناء المنطقة والنازحين
تستمر منابر قسد الإعلامية الموجهة إلى العالم الخارجي بالترويج للرواية التي تقول فيها بأن مناطق سيطرة قسد هي الملاذ الآمن لجميع السوريين الهاربين من العنصرية المتزايدة في تركيا ضدهم ومن مناطق سيطرة عصابات الأسد، وأعلنت قبل سنوات عن استعدادها لاستقبال النازحين الفارّين من محافظة ادلب على إثر الحملة الهمجية التي قادتها روسيا وإيران وميليشيات الأسد على المحافظة في عامي 2019-2020 والتي أفضت إلى نزوح أكثر من مليون مدني إلى المخيمات المتاخمة للحدود التركية شمال محافظتي حلب وإدلب.
وعلى صعيد متواصل تقوم قسد برفع شعاراتها الوهمية التي تنادي بوحدة الشعوب ونبذ التفرقة دائماً لكن في سياق آخر تواصل منابرها الداخلية بتكريس العنصرية بين العرب والكرد في مناطق شمال الحسكة ومهاجمة أبناء المنطقة العرب -الذين يشكلون الغالبية العظمى- ومحاولة إظهارهم ”كمُحتلين” لأراضي الكُرد.
وفي إطار تكريس العنصرية بين العرب والكرد أظهرت قسد أنيابها للنازحين والمقيمين العرب حيث جابت دوريات عسكرية للأمن الداخلي التابع لقسد (الأسايش) وأبلغت عدد من أبناء محافظتي ديرالزور والرقة المقيمين في مدينة القامشلي بحجة عدم امتلاكهم لبطاقة ”وافد” في حين لا تُطلب هذه البطاقة من أبناء مدينة عفرين وريفها -الأكراد- الذين اختاروا البقاء بمناطق سيطرة قسد عقب انطلاق عملية غصن الزيتون التي أفضت إلى طرد قسد من المدينة على يد فصائل الجيش الوطني عام 2018.
وتُعدُّ هذه الحوادث ليست بالجديدة على ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية، إذ أن الميليشيا قامت بتجريف مئات القرى العربية في أرياف اليعربية وتل تمر وتل حميس والقامشلي بمحافظة الحسكة إبان سيطرة تنظيم الدولة ودخول وحدات حماية الشعب إلى تلك المناطق عام 2015 بمساعدة ميليشيا الصناديد العربية إحدى مكونات قسد حالياً،
ما أجبر مئات الآلاف من السكان العرب إلى النزوح إلى محافظتي ديرالزور والرقة وإلى الأراضي التركية القريبة.
وليس هذا فحسب بل تستمر قسد بتوطين عائلات كردية قادمة من جنوب تركيا وشمال العراق ومدينة عفرين شمال حلب، ولا يُطلب منهم ما تُسمى ببطاقة ”وافد” نظراً لانتماء العائلات أو أبناءها لميليشيا حزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب العالمية وفي تركيا أيضاً الذي تحارب هذه الميليشيا منذ عشرات السنين.
ويعيش أبناء الشعب السوري في حالة ضياع حقيقية، إذ أن الأهالي الذين فرّوا ونجوا بأنفسهم تاركين مدنهم وأملاكهم تحت سيطرة عصابات الأسد،
يعيشون الآن مرارة التهجير مرة أخرى سواء من دول الخارج كلبنان وتركيا والعراق، أو من الداخل على يد ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية التي تتهم أطياف الشعب السوري الأخرى بالعنصرية ومحاولات التغيير الديمغرافي دائماً لكن هي من ينفذها الآن على أرض الواقع وطبقت المثل القائل ”رمتني بداءها وانسلت”.